السؤال
على الاغلب وبسبب خوفي الشديد من الله سبحانه وتعالى أتفحص دقائق الامور إذا كانت حلالا أم حراما ، وما حولي يسخرون مني ، هل ما أنا فيه وسوسة أم هذا المطلوب؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن تقوى الله تعالى تحمل صاحبها على التحري والاحتياط لدينه, فتجده يجتنب الشبهات خوفا من الوقوع في الحرام , ويدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس . وهذا لا يخرج عن معنى الورع المحمود .
وأما التشدد المذموم فإنما يكون بتحريم الحلال , أو تركه تعبدا , أو التعبد بما ليس عبادة كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 47304 .
ويكون بالمبالغة في التعبد بأن يأخذ العبد من الفضائل ما لا يطيق , فدين الله يسر , وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة , وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أدومها وإن قل . وقال : اكلفوا من الأعمال ما تطيقون . رواه البخاري ومسلم . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : إن الدين يسر , ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه , فسددوا وقاربوا وأبشروا . رواه البخاري .
قال ابن حجر : والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب . قال ابن المنير : في هذا الحديث علم من أعلام النبوة , فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع وفي حديث ابن الأدرع عند أحمد : إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة , وخير دينكم اليسرة . وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية , فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع .اهـ
ومما يذم أيضا : حصول الوسوسة التي تحمل صاحبها على التنطع والتكلف , وتوقعه في المشقة الزائدة والحرج المنفي في الشريعة , فقد قال الله تعالى : هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج. (الحج :78) . وقال سبحانه : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. ( المائدة:6) . وقال عز وجل : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ( البقرة:185) . ولا شك أن هذه الوسوسة التي تحمل صاحبها على العنت والحرج مذمومة شرعا وعقلا . وأن العبد إذا فتح على نفسه هذا الباب فإن الشيطان يلبس عليه ويصرفه عن أداء حقوق واجبة ويحمله على تضييع حدود قائمة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : هلك المتنطعون –قالها ثلاثا– رواه مسلم .
قال النووي : أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم .
والمقصود من بيان صور التشدد المذموم أن تقف السائلة على حقيقة حالها , فإن كان ما توصف به خارجا عن هذه الأنواع , ولا يعدو حدود التقوى والورع الذي صدرنا به الكلام , فحالها محمود , وعليها أن تصبر على سخرية من حولها . وأما إن كانت واقعة في صورة من صور هذا التشدد فعليها أن تجتنبها وأن ترفق بنفسها وبمن حولها .
ونسأل الله تعالى أن يهديك لأرشد أمرك , وأن يرزقك الاستقامة على سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه . وراجعي للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية : 24800 ,15186,60661,109600.
والله أعلم .
المصدر : اسلام ويب